أختي وبداية الانحراف: صاحبيها.. وابتعدي عن الكبار العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بعد التوكُّل على الله،
أودُّ مشورتكم الكريمة في الموضوع التالي: لي أختٌ في العشرينات من العمر، تدرس في الجامعة، وتسكن في سكن الجامعة، بدأت ألاحظ عليها تغيُّراتٍ غريبة، من حيث الخروج والتأخُّر خارج المنزل، بالإضافة إلى السهر حتى الصباح على الإنترنت والتشات (التحادث الإلكترونيّ)، فاستمررت في مراقبتها، وعندها تكشَّف لي أنَّها على علاقةٍ مع شابّ، وهو الذي تخرج معه وحدهما، فحاولت التكلُّم معها في هذا الموضوع، وإخبارها أنَّ ما تفعله خطأٌ وحرام، ولكن لا حياة لمن تنادي، فما كان منِّي إلا أن أخبرت والديَّ (وهما كبيران في السنّ، ولا يدركون خطر التشات والجامعة)، فما كان منهما إلا أن وبَّخاها ومنعاها من الخروج لفترةٍ معيَّنة، واتَّهموني وقتها بأنِّي متزمَّتة، وأنَّ أختي ليست بذلك السوء، فتناسيت الموضوع لفترة، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى أوقع في يدي أدلَّةً أخرى وأكبر، إذ إنَّها كانت تعتزم الذهاب للسباحة مع صديقها إلى البحر، وفي الوقت ذاته كانت قد أخبرتْنا أنَّها ذاهبةٌ لتدفع قسط الجامعة والسكن، فما كان منِّي إلا أن واجهت أهلي وواجهتها، وكان اعتقادي أنَّ هذه المشكلة أكبر، ولكن للأسف، كان ردُّ فعل أهلي كسابقه: توبيخٍ وحرمان.
ولكنَّ الأمور استمرَّت كما هي، فهي تشعر أنَّني العدوَّة، وأنَّني أنقل الكلام، وأنَّها ستنتصر في النهاية، وستجد ألف حجَّةٍ لدحض كلامي.
فالمشكلة أنَّني أشعر بالمسؤوليَّة أمام الله، إذ إنَّني أعرف أنَّ هذه المغامرات الخاطئة لم تنته، وأنَّ أهلي يعتقدون أنَّها الملاك البريء، وأنَّ هذه زلاَّت مراهقة، وأنَّها ستعود للطريق القويم، ولا يدركون أنَّها تستغل طيبتهم لتعمل ما يحلو لها.
لم أعد أدري ماذا أفعل، أشعر بمسؤوليَّةٍ كبيرةٍ تجاه ما أعرفه من مغامراتها الخاطئة، ولا أملك أن أُغيِّرها لأنَّ والديها لا يستمعان إليّ، ولا يساعداني لأنقذها، فإلى أيَّة مرحلةٍ تصل مسؤوليَّتي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
إلى أي مرحلةٍ تصل مسؤوليَّتي التي يعاقبني عليها الله؟
أعتذر للإطالة.
أرجو إفادتكم.
ا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إنَّ مواكبة المدنيَّة والمستجدَّات الحديثة تحمل دائماً معها -إضافةً إلى الفائدة والتسهيلات الخدماتيَّة في التعامل بين البشر كالكمبيوتر والإنترنت- سلبيَّاتٍ كثيرةً إذا أُسِيء استخدامها، واستعمال هذا الجهاز والتحاور عبر الإنترنت استهوى أبناءنا وبناتنا، فغالَوا في استعماله، وأدمنوا الجلوس أمامه لساعاتٍ طويلة، وغالباً ما ينزلق المراهقون والشباب في الدخول إلى المواقع الإباحيَّة والمبتذلة، ويزداد الأمر سوءاً إذا كان الأهل يجهلون التعامل مع هذا الجهاز، ممَّا يسهِّل لأبنائهم التفلُّت من الرقابة خاصَّةً مع ضعف الرادع الأخلاقيِّ والدينيِّ عندهم.
إنَّ ما تشعرين به -أيَّتها الأخت السائلة- أمرٌ طبيعيٌّ يفرضه خوفك على أختك التي تحبِّينها، ومسؤوليَّتك الإسلاميَّة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمطلق الإنسان، فكيف الحال إذا كانت أقرب الناس إليك؟
إنَّ واجبك يحتِّم عليك إنقاذ أختك من الحفرة التي بدأت في الانزلاق فيها، خاصَّةً وأنَّك تكبرينها عمراً وتفوقينها نضجاً، فإن أعذرك الله في التقصير عن واجب النهي عن المنكر ما دام وصل العلم إلى والديها وهما المسؤولان عنها، فإنَّ خشيتك على سمعتها وحبَّك لأختك يجب أن يكونا دافعاً قويًّا لتجنيبها مخاطر تصرُّفاتها.
والبداية تكون في ترميم علاقتك معها بعد أن انشرخت بإخبار والديها عن علاقتها بالشابِّ الذي تحادثه عبر الإنترنت، إنَّ التقرب إليها والاستماع إلى مشاكلها والتستُّر عليها يساهم في إعادة الثقة تدريجيّا، فإذا شعرَتْ بحبِّك لها وخوفك على سمعتها ومصلحتها، يمكنها حينئذٍ الاستماع لنصائحك والتشاور معك فيما يعترضها من مشاكل.
وعند أيِّ تجاوب -ولو ضعيفٍ منها- بادري في الدفاع عنها أمام والديها كي تتشجَّع في البَوح لك ومصادقتك، وهذا يستلزم نَفَساً طويلاً وصبراً كي تحوزي على ثقتها.
فإذا رأيت بالدليل القاطع -لا مجرد الظنّ- أنَّها تتمادى في غيِّها، وتنزلق نحو الهاوية على غير هدى في علاقتها مع الشابّ، فأنصحك بالاستعانة بصديقاتها المقربَّات لإقناعها أو بأحد أقربائها ممَّن تثق بهم وتستمع لنصائحهم واجعلي الأمر كلَّه بطريقةٍ غير مباشرة، وإذا استطعت إقناعها بالتردًّد على المجالس الدينيَّة والاستماع إلى التوجيهات الأخلاقيَّة التسجيليَّة أو التلفزيونيَّة، فإنَّها خير الوسائل لتقوية وازعها الأخلاقيِّ والدينيّ، فتعيد النظر تلقائيًّا في تصرُّفاتها، لأنَّها نابعةٌ من قناعةٍ والتزام.
لا تنسي الدعاء لها بظهر الغيب، فهي أختك التي تستحقُّ منك كلَّ جهدٍ واهتمام، مع دعائي لكِ بحسن التصرُّف والتوفيق في مسعاك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وتضيف الأستاذة هبة عمرو من فريق الاستشارات:
"أُقدِّر –أختي الكريمة هبة- حرصك الشديد على أختك، كما ذكرتْ الأستاذة الفاضلة سميرة، لكنَّني أودُّ معاتبتك على تصرُّفك معها عتاباً رقيقا، مع تقديري الشديد لرغبتك في إصلاحها، وإرضاء ضميرك أمام الله سبحانه وتعالى، أعاتبك على التسرُّع في إبلاغ والديك، اللذَين لن يتعدَّى تصرُّفهما سوى المنع والحرمان لفترةٍ طالت أو قصرت، لن تكون هي الحلّ، ولن يكون هذا الأسلوب هو الطريق للتربية الصحيحة وتصحيح الأخطاء.
أختك تنتظر منك حضناً دافئاً وقلباً حنونا، وربَّما افتقادها لدفء المشاعر بين أسرتها هو الدافع وراء علاقتها بهذا الشابّ، الذي فيما يبدو يغدقها حبًّا واهتماما.
أختك تنتظر منك احتواءً واستيعابا، تنتظر منك أُذُناً صاغية، تنتظر منك صديقةً مخلصة، وتصرُّفك معها هذا قد باعد بينكما كثيرا، لذلك سيكون جهدك مضاعفاً لإصلاح ما تحمله لك من مشاعر في قلبها، ثمَّ بناء مشاعر جديدةٍ من الألفة والتفاهم، فابذلي قصارى جهدك، ولا تملِّي أو تيأسي.
أشعريها أنَّك تتفهَّمين مشاعرها، وأنَّك تعلمين أنَّ الحبَّ هو أسمى المشاعر الإنسانيَّة، ثمَّ بعد ذلك ناقشيها في شخصيَّة هذا الشابّ، وهل يحبُّها حقّا؟ قولي لها أنَّ مَن يحبَّ أحداً يخاف عليه، فهل يخاف عليها إذا رضي أن يسيء إلى سمعتها بهذه العلاقة بينهما؟ هل يريد فعلاً تكوين أسرةٍ أم أنَّه يتسلَّى بها؟ هل ترضى أن يكون والداً لأبنائها؟ هل تعلم أنَّ الله لن يبارك لهما إذا أغضباه؟
ولن أوصيك باتِّخاذ طريقة المناقشة الهادئة، ولا داعي لأن تطرحي الإجابات التي في ذهنك مسبقا، دعيها هي تفكِّر ثمَّ تجيب.
وختاما –أخيَّتي- أؤكِّد على نقطة الصحبةٍ الصالحة التي ذكرتها الأستاذة سميرة، فللصحبة أهمِّيَّةٌ كبيرة، فيمكنهنَّ أن يشغلنها بأنشطةٍ أخرى من اهتماماتها بحيث لا تكون علاقتها بهذا الشابِّ هي محور حياتها، بل تنشغل بأنشطةٍ أخرى وهواياتٍ تجد نفسها فيها، فيقلُّ اهتمامها بأمر هذا الشابِّ أو غيره.
اعذريني إن كنت أكثرت عليك العتاب، لكنَّني –مثلك- خائفةٌ على أختك، وأدعو الله تعالى أن ينجيها ممَّا هي فيه.
السبت مارس 14, 2009 11:47 pm
